أن للخشوع في الصلاة أسباباً:
أولها: معرفةُ منزلةِ الصلاة وتَمَيُّزِها عن غيرها من العبادات, فإنها فُرِضَت في السماء ليلة المعراج, بخلافِ غيرها من العبادات, وفُرضت من الله بلا واسطة, وهي خمسٌ بخمسين, فمَنْ صلّى خمسُ صلواتٍ في اليوم والليلة فكأنَّما صلّى خمسينَ صلاة, وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنِها: ( العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ), وأخبر الله تعالى أنَّ إقامتها تنْهى عِن الفحشاءِ وَالْمُنكر, وكان عليه الصلاة والسلام إذا حَزَبَهُ أمرٌ فَزَعَ إِلى الصّلاةِ. كلُّ ذلكَ دَليلٌ على عِظَم قدرِ الصّلاة وتَمَيُّزِها عن غيرِهاِ مِنَ العِبَادَات.
ومما يعين على الخشوع: أن يتذكر العبد عنايةَ النبي صلى الله عليه وسلم بها, حيث يقول: ( وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عيْنِي فِي الصّلاة ). وكان يقول أيضاً: ( أَرِحْنا بالصّلاةِ يا بلال ).
ومن أسباب الخشوع: أن يتدبّر العبدُ قولَ المؤذن: " حيَّ على الفلاح ", فإنه يأتي بعد النطق بأطيب كلمة وأشرف شهادة, شهادة أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله. أي: أَقْبِل بِعَجَل, لا تتأخر, ولا تُسَوِّف, ولا تؤجّل, حيّ, وهيّا, وانهض, وقمْ, وتوجّه, تعال إلى الصلاة, أَقْبِل بِعَجَلٍ إلى الفلاح, لأنها الفلاح, وكأنَّ الفلاحَ كُلُهُ اجتمع في الصلاة. فَيَا لَهَا ِمنْ مَوْعِظَةٍ مُؤْثِرةٍ نسمَعُهَا كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ من خلال الأذان, ولكن قَلَّ من يَتَدبَّر.
ومن أسباب الخشوع: الإخلاصُ للهِ, وعدم التفات القلب إلى غير الله, في أدائها, لأن ذلك من أعظمِ ما يجمع القلب.
ومن أسباب الخشوع: استحضارُ الوقوفِ بين يديَّ الله, واستشعارُ مناجاة الله, فإن العبد إذا قام يصلي فإنه يناجي ربه, وهذا من أكبر ما يعين العبد على إصلاح الظاهر والباطن عند أدائها.
ومما يعين على الخشوع: تَدَبُّرُ أقوالِ الصلاة, من التكبيرِ إلى التسليمِ, بما في ذلك معرفة معاني سورة الفاتحة, إذ كيف يخشع المصلي وهو لا يفقه ما يقول أو يسمع؟.
ومما يعين على الخشوع: التبكيرُ فِي المجَِيءِ إلى الصلاة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولو يعلمون ما في التَهْجِير لاستَبَقُوا إليه ). والتهجير: هو التبكير, وفضائله كثيرة, ومنها أنه يعين العبد على حسنِ الإستعداد, وحضورِ القلب, وجمع شتاتِ الذهن, بخلاف من يأتي وقت الإقامة, وهو حديثُ العهد بالشواغل, مُشَتَّتُ الذهن, مشغولٌ قلبه بما أَخَّرَه عن الصلاة.
ومن أسباب الخشوع: تركُ المعَاصي, فإن المعاصي تُقَسِّي القلب, وتجعل عليه غشاوة, وتُسَبِّب الوحشةَ بين العبدِ وربِّه, فلا يَتَلَذَّذُ بالصلاةِ, ولا بالقراءةِ, بسببِ ما تُورِثُهُ من الرَّان الذي يُغطِّي القلب, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أذنب العبد نُكِتَتْ في قلبه نُكتةٌ سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صُقِلَ قلْبُه، وإن زاد زِيدَ فيها, حتى يَعْلُوَ قلبَه، فذلك الران الذي قال الله تعالى تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾.
ومن أسباب الخشوع في الصلاة: معرفةُ هديِّ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في أَدائِها, خصوصاً الطُمأنينة, وترك العجلة, فإنّ العبدَ كُلّما زادتْ طُمأَنِينتُه, سَكَنَت جوارحُه, واطمأنَّ قلبُه, وكلّما استعجل ونَقَرَ الصلاة, شَرَدَ ذِهنُه, وصار همُّه هو التخلُّصَ منها, والحرصَ على انقضائِها.
ومن أسباب الخشوع في الصلاة: أن يتذكر المسلمُ الموت, وأن يصلي صلاة مودّع, ومعنى ذلك: أن يستشعرَ الْمُصليّ بأنّ صلاته هذِهِ, آخرُ صلاةٍ له, وأنه سيُفارق الدنيا بعدَهَا, فإنّ ذلكَ من أَعظمِ ما يعينُ العبدَ على إحسانِ الصلاة, والخشوع فيها, وكمالِ الإقبالِ على الله. روى الديلمي في مسند الفردوس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أُذكُرِ الموتَ في صلاتك, فإن العبد إذا ذكر الموت في صلاته, لحري أن يُحْسِنَ صلاتَه, وَصَلِّ صلاةَ رجلٍ لا يَظُنُّ أنه يصلي صلاةً غيرها, وإياكَ وكلَّ أمرٍ يُعْتَذَرُ منه ).
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا من الخاشعين في صلاتهم، اللهم اجعلنا من الخاشعين في صلاتهم، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات