فإن المؤمنين في الآخرة أقسام:
القسم الأول:
من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب, نسأل الله أن يجعلنا منهم.
القسم الثاني:
من يدخل الجنة بعد الحساب, قال تعالى: ( فسوف يُحَاسَب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا).
القسم الثالث:
من يدخل الجنة بعد الشفاعة, وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الشفاعة حق ولكنها خاصة لأهل التوحيد بشرطين: " الإذن للشافع, والرضا عن المشفوع ".
القسم الرابع:
من يكون مستحقاً للعقاب من عُصَاة المؤمنين ولكن الله يتجاوز عنه بِمَنِّه وكرمه, قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يُشْرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ).
القسم الخامس:
من يُعَذَّب بسبب ذنوبه ومعاصيه التي دون الشرك والكفر, ثم يدخل الجنة.
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما, أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ) . قالوا : لا ، قال : ( فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ) . ثم قال : ( ينادي منادٍ : ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى يبقى من كان يعبد الله ، من بر أو فاجر ، وغُبَراتٌ من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عُزيراً ابن الله ، فيقال : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ قالوا : نريد أن تسقينا ، فيقال : اشربوا ، فيتساقطون في جهنم . ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله ، فيقال : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ فيقولون : نريد أن تسقينا ، فيقال : اشربوا ، فيتساقطون ، حتى يبقى من كان يعبد الله ، من بر أو فاجر ، فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي : ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ، وإنما ننتظر ربنا ، فلا يكلمه إلا الأنبياء ، فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه ، فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ، ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم ) . قالوا: يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : ( مدحضة مزلة ، عليه خطاطيف وكلاليب ).
والمراد بالجسر يا عباد الله:
الصراط الممدود على متن جهنم: أدق من الشعر وأحد من السيف. ( إذا رأته الملائكة قالوا: ما عبدناك حق عبادتك )، يمر المؤمنون عليه بقدر إيمانهم وتقواهم, فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق, ومنهم من يمر كالريح, ومنهم من يمر كالطير, وكأجاود الخيل وركاب الإبل, ومنهم من يُخْدَش وينجو , ومنهم من يُكَرْدَس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، ذهبوا يناشدون ربهم ويشفعون لإخوانهم الذين سقطوا في النار، يقولون : ربنا, إن إخواننا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون . فيقال لهم : أخرجوا من عرفتم.
هذا الحديث العظيم الذي سمعتموه, يدل على:
أن المؤمنين درجات وأصناف في الآخرة, على حسب إيمانهم وتقواهم لربهم.
ويدل أيضاً:
على أن المعاصي تضر المؤمن في الآخرة, وإن كان يصلي ويصوم ويحج, وأنه قد يعذب بسبب ذلك, فإياك يا عبد الله أن تغتر.
فإن من المصلين من يأكل الربا, ومن المصلين من يغش في البيع أو يأكل الرشوة, ومن المصلين من يعق والديه, أو يقطع الرحم, أو يُسِيء إلى جاره, ومن المصلين من يمشي بالغيبة أو النميمة أو القذف, ومن المصلين من هو سيء الخُلُق بذيء اللسان, ومن المصلين من يكذب في حديثه, أو يشهد الزور, ومن المصلين من يقع في الزنا, أو يشرب الخمر.
وغير ذلك من المعاصي التي يجب على المسلم أن يحذرها ويتجنبها, حتى لا يتضرر بسببها في الآخرة.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والعصيان واجعلنا من الراشدين ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .